فصل: (فَرْعٌ): (الضَّامِنُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [الْمُرْتَهِنُ يَطَأُ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ]:

(وَإِنْ وَطِئَ مُرْتَهِنٌ أَمَةً مَرْهُونَةً، وَلَا شُبْهَةَ لَهُ) فِي وَطْئِهَا؛ (حُدَّ)؛ لِتَحْرِيمِهِ إجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}. وَلَيْسَتْ زَوْجَةً وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ، وَكَالْمُسْتَأْجَرَةِ مَعَ مِلْكِهِ نَفْعَهَا، فَهُنَا أَوْلَى، (وَرُقَّ وَلَدُهُ) إنْ وَلَدَتْ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأُمِّهِ، وَهُوَ وَلَدُ زِنًا، وَسَوَاءٌ أَذِنَ رَاهِنٌ أَوْ لَا، (وَلَزِمَهُ)؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنَ (الْمَهْرُ) إنْ لَمْ يَأْذَنْ رَاهِنٌ بِوَطْئِهَا، أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ، أَوْ أَطَاعَتْ، وَلَوْ اعْتَقَدَ الْحِلَّ أَوْ اشْتَبَهَتْ، لِأَنَّهُ يَجِبُ لِلسَّيِّدِ، فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا وَإِذْنِهَا فِي الْوَطْءِ؛ كَإِذْنِهَا فِي قَطْعِ يَدِهَا وَكَأَرْشِ بَكَارَتِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا. (وَإِنْ أَذِنَ رَاهِنٌ) مُرْتَهِنًا فِي وَطْئِهَا، (فَلَا مَهْرَ)؛ لِإِذْنِ الْمَالِكِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ؛ كَالْحُرَّةِ الْمُطَاوِعَةِ، (وَكَذَا لَا حَدَّ) بِوَطْءِ مُرْتَهِنٍ مَرْهُونَةً (إنْ ادَّعَى) مُرْتَهِنٌ (جَهْلَ تَحْرِيمِهِ)؛ أَيْ: الْوَطْءِ، (وَمِثْلُهُ)؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (بِجَهْلِهِ)؛ أَيْ: التَّحْرِيمِ (كَنَاشِئٍ بِبَادِيَةٍ) بَعِيدَةٍ، (وَحَدِيثِ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ) سَوَاءٌ أَذِنَ فِيهِ رَاهِنٌ أَوْ لَا. (وَوَلَدُهُ)؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ مِنْ وَطْءٍ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ (حُرٌّ)؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَهَا أَمَةً، (وَلَا فِدَاءَ) عَلَيْهِ. صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَالنِّهَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِحُدُوثِ الْوَلَدِ مِنْ وَطْءٍ مَأْذُونٍ فِيهِ. وَالْإِذْنُ فِي الْوَطْءِ إذْنٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ رَاهِنٌ فِي الْوَطْءِ وَوَطِئَ بِشُبْهَةٍ؛ فَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ، فَيَفْدِيهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِاعْتِقَادِهِ الْحُرِّيَّةَ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ أَيْضًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَهُ)؛ أَيْ: لِلْمُرْتَهِنِ (بَيْعُ رَهْنٍ جَهِلَ رَبُّهُ، وَأَيِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَالصَّدَقَةُ بِثَمَنِهِ بِشَرْطِ ضَمَانِهِ) لِرَبِّهِ أَوْ وَارِثِهِ إذَا عَرَفَهُ، فَإِذَا عَرَفَ أَرْبَابُ رُهُونٍ وَوَدَائِعَ بَعْدَ أَنْ تَصَدَّقَ بِهَا؛ خُيِّرُوا بَيْنَ الْأَجْرِ، أَوْ يَغْرَمُ لَهُمْ الْمُتَصَدِّقُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ بَيْعُهُ- وَلَوْ بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ- وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْحَارِثِيِّ؛ لَكِنَّهُ صَوَّبَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ اسْتِئْذَانَ الْحَاكِمِ فِي بَيْعِهِ إنْ كَانَ أَمِينًا (وَلَا يَسْتَوْفِي) الْمُرْتَهِنُ (حَقَّهُ مِنْ الثَّمَنِ) الَّذِي بَاعَ بِهِ الرَّهْنَ، (نَصًّا) وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ إذْنِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ.
قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا عَدِمَ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْ ثَمَنِهِ، (وَعَنْهُ)؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (بَلَى)؛ أَيْ: لَهُ أَخْذُ حَقِّهِ مِنْ ثَمَنِهَا، (وَإِنْ بَاعَهُ)؛ أَيْ: الرَّهْنَ (حَاكِمٌ، وَوَفَّاهُ) حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ؛ (جَازَ)؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَهُ [وِلَايَةُ] مَالِ الْغَائِبِ، (وَيَأْتِي فِي) بَابِ (الْغَصْبِ تَتِمَّتُهُ)؛ أَيْ: تَتِمَّةُ هَذَا الْبَحْثِ مُسْتَوْفًى.

.(بَابُ الضَّمَانِ):

الضَّمَانُ: جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ إجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الزَّعِيمُ الْكَفِيلُ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الضَّمِّ أَوْ مِنْ التَّضْمِينِ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الضَّامِنِ تَتَضَمَّنُ الْحَقَّ أَوْ مِنْ الضِّمْنِ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الضَّامِنِ فِي ضِمْنِ ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ وَثِيقَةٍ. وَشَرْعًا (الْتِزَامُ مَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ)، وَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا سَفِيهٍ؛ لِأَنَّهُ إيجَابُ مَالٍ بِعَقْدٍ؛ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُمْ؛ كَالشِّرَاءِ (بِمَا)؛ أَيْ: دَيْنٍ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْتِزَامٍ (وَجَبَ عَلَى غَيْرِهِ)، (أَوْ بِمَا يَجِبُ) عَلَى غَيْرِهِ مَعَ بَقَاءِ مَا وَجَبَ أَوْ يَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ، (غَيْرَ) ضَمَانِ مُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ (جِزْيَةٍ)- وَلَوْ بَعْدَ الْحَوْلِ- لِأَنَّهَا إذَا أُخِذَتْ مِنْ الضَّامِنِ فَاتَ صِغَارُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَكَذَا الْكَفَالَةُ، (أَوْ الْتِزَامُ مُفْلِسٍ، وَيَتَّجِهُ أَوْ) الْتِزَامُ (سَفِيهٍ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ مَنْعَهُمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فِي مَالِهِمَا لَا فِي ذِمَّتِهِمَا؛ كَالرَّاهِنِ يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِ الرَّهْنِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) كَذَا الْتِزَامُ (مَرِيضٍ مَرَضَ الْمَوْتِ)؛ فَيَصِحُّ ضَمَانُهُ؛ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ (أَوْ) الْتِزَامُ (قِنٍّ أَوْ مُكَاتَبٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِمَا)؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا لِحَقِّهِ فَإِذَا أَذِنَهُمَا؛ انْفَكَّ؛ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِمَا، فَإِذَا لَمْ يَأْذَنْهُمَا فِيهِ؛ لَمْ يَصِحَّ، سَوَاءٌ أَذِنَ فِي التِّجَارَةِ أَوْ لَا؛ إذْ الضَّمَانُ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ إيجَابَ مَالٍ؛ كَالنِّكَاحِ. (وَيُؤْخَذُ) مَا ضَمِنَ فِيهِ مُكَاتَبٌ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (مِمَّا بِيَدِ مُكَاتَبٍ)؛ كَثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ وَنَحْوِهِ، (وَ) يُؤْخَذُ (مَا ضَمِنَهُ قِنٌّ) بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (مِنْ سَيِّدِهِ)؛ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ؛ كَاسْتِدَانَةٍ، (إلَّا) الْقِنَّ (الْمَأْذُونَ لَهُ) فِي الضَّمَانِ (لِيَقْضِيَ مِمَّا)؛ أَيْ: مَالٍ (بِيَدِهِ)؛ فَيَصِحُّ ذَلِكَ، (وَيَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِهِ) مِنْ الْمَالِ (خَاصَّةً)؛ كَتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَةِ الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَهُ كَذَلِكَ؛ (كَقَوْلِ حُرٍّ ضَمِنْتُ) لَكَ هَذَا (الدَّيْنَ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ) مَا ضَمِنْتُهُ (مِنْ مَالِي هَذَا)، فَيَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ الَّذِي عَيَّنَهُ، فَإِذَا تَلِفَ الْمَالُ سَقَطَ الضَّمَانُ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِبَدَلِهِ، (وَ) يُؤْخَذُ (مَا ضَمِنَهُ مَرِيضٌ) مَرَضَ الْمَوْتِ (مِنْ الثُّلُثِ)؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ؛ فَهُوَ كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ، وَكَالْوَصِيَّةِ، وَقِيَاسُ الْمَرِيضِ فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ بِاللُّجَّةِ عِنْدَ الْهَيَجَانِ، أَوْ وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدِهِ، وَنَحْوَهُمَا مِمَّا أَلْحَقَ بِالْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ، كَمَا سَيَأْتِي فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ.
(وَ) يُؤْخَذُ (مِمَّا بِيَدِ مُفْلِسٍ بَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ) كَسَائِرِ دُيُونِهِ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ الثَّابِتَةِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ.
وَ(لَا) يَصِحُّ (ضَمَانُ أَوْ كَفَالَةُ جِزْيَةٍ) وَجَبَتْ أَوْ تَجِبُ- (وَلَوْ) كَانَ الضَّامِنُ (كَافِرًا)- لِفَوَاتِ الصِّغَارِ. وَتَقَدَّمَ (خِلَافًا لِمَفْهُومِهِ)؛ أَيْ: فِي الْإِقْنَاعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: غَيْرُ ضَمَانِ مُسْلِمٍ جِزْيَةً وَكَفَالَتُهُ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ صِحَّةُ ضَمَانِ الْكَافِرِ الْجِزْيَةَ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. (وَصَحَّ) الضَّمَانُ (بِلَفْظِ ضَمِينٍ وَكَفِيلٍ وَقَبِيلٍ وَحَمِيلٍ وَصَبِيرٍ وَزَعِيمٍ) بِمَا عَلَيْهِ، يُقَالُ: قَبِلَ بِهِ- بِكَسْرِ الْبَاءِ- فَهُوَ قَبِيلٌ، وَحَمَلَ بِهِ حَمَالَةً فَهُوَ حَمِيلٌ، وَزَعَمَ بِهِ يَزْعُمُ- بِالضَّمِّ- زَعْمًا، وَصَبَرَ يَصْبِرُ- بِالضَّمِّ- صَبْرًا أَوْ صَبَارَةً بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ مَعْنَى كَفَلَ. وَيَصِحُّ الضَّمَانُ أَيْضًا بِلَفْظِ (ضَمِنْتُ دَيْنَكَ، أَوْ تَحَمَّلْتُهُ، وَهُوَ)؛ أَيْ: دَيْنُكَ (عِنْدِي، أَوْ) هُوَ (عَلَيَّ، أَوْ لَا تَعْرِفُهُ إلَّا مِنِّي، أَوْ بِعْهُ أَوْ زَوِّجْهُ، وَعَلَيَّ الثَّمَنُ أَوْ الْمَهْرُ).
(وَ) يَصِحُّ الضَّمَانُ (بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ مِنْ أَخْرَسَ)؛ كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ؛ لِأَنَّهَا كَاللَّفْظِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ، وَ(لَا) يَصِحُّ ضَمَانُهُ بِإِشَارَةٍ خَفِيَّةٍ (غَيْرِ مَفْهُومَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ) مُنْفَرِدَةٍ عَنْ إشَارَةٍ يُفْهَمُ مِنْهَا قَصْدُهُ الضَّمَانَ [(لِكَتْبِهِ)؛ أَيْ: الْأَخْرَسِ] (نَحْوَ تَجْوِيدِ) خَطٍّ أَحْيَانًا وَعَبَثًا وَتَجْرِبَةً؛ فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِالِاحْتِمَالِ. وَمَنْ لَا تُفْهَمُ إشَارَتُهُ لَا يَصِحَّ- وَلَوْ بِكِتَابَةٍ- لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً، وَكَذَلِكَ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ؛ فَتَصِحُّ بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ، لَا بِكِتَابَةٍ مُفْرَدَةٍ عَنْ إشَارَةٍ يُفْهَمُ بِهَا الْمَقْصُودُ، وَلَا مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ. وَتَأْتِي صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ بِالْكِتَابَةِ. (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ صِحَّةِ ضَمَانِ الْأَخْرَسِ بِالْكِتَابَةِ الْمُنْفَرِدَةِ عَنْ الْإِشَارَةِ (حَيْثُ لَا قَرِينَةَ) تَدُلُّ عَلَى الضَّمَانِ؛ كَكَوْنِ الْمَضْمُونِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَخْرَسِ مُخَالَطَةٌ وَمُعَامَلَةٌ، فَكَتَبَ لِشَخْصٍ أَنْ ادْفَعْ لِهَذَا كَذَا وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، فَدَفَعَ لَهُ بِكِتَابَتِهِ، فَيُعْمَلُ بِهَا.
(وَ) يَتَّجِهُ (وَلَا) يَصِحُّ الضَّمَانُ بِلَفْظِ (ضَمِنْت فُلَانًا أَوْ ضَمَانُهُ عَلَيَّ، وَيَكُونُ) قَوْلُهُ ذَلِكَ (كَفَالَةً، مَا لَمْ يَنْوِ الدَّيْنَ)، أَمَّا لَوْ نَوَى الدَّيْنَ فَلَا رَيْبَ فِي صِحَّةِ ضَمَانِهِ (إذْ الضَّمَانُ الِالْتِزَامُ بِمَا عَلَيْهِ)، فَإِذَا قَالَ: ضَمِنْتُ فُلَانًا فَكَأَنَّهُ قَالَ: ضَمِنْتُ ذَاتَه. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ قَالَ: أَنَا أُؤَدِّي) مَا عَلَيْهِ، (أَوْ) أَنَا (أُحْضِرُ) مَا عَلَيْهِ (أَوْ أَضْمَنُ) مَا عَلَيْهِ؛ (لَمْ يَصِرْ ضَامِنًا) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، بَلْ يُسَنُّ،
(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَصِحُّ) الضَّمَانُ (بِكُلِّ لَفْظٍ فُهِمَ مِنْهُ الضَّمَانُ عُرْفًا)؛ كَقَوْلِهِ: (زَوِّجْهُ وَأَنَا أُؤَدِّي الصَّدَاقَ، أَوْ) قَوْلُهُ: (بِعْهُ وَأَنَا أُعْطِيكَ الثَّمَنَ أَوْ) قَوْلُهُ: (اُتْرُكْهُ أَوْ لَا تُطَالِبْهُ وَأَنَا أُعْطِيكَ) مَا عَلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَحُدَّ ذَلِكَ بِحَدٍّ، فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ؛ كَالْحِرْزِ وَالْقَبْضِ.

.(فَرْعٌ): [أَرْكَانُ الضَّمَانِ]:

(أَرْكَانُ الضَّمَانِ أَرْبَعَةٌ ضَامِنٌ وَمَضْمُونٌ)؛ أَيْ: لِشَخْصٍ مَضْمُونٍ عَنْهُ، وَكَذَا عَيْنٌ مَضْمُونَةٌ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، (وَمَضْمُونٌ لَهُ، وَصِيغَةٌ)، وَتَقَدَّمَتْ أَلْفَاظُهَا. (وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَضْمَنَ الْمَضْمُونُ) وَهُوَ الْمَدِينُ (الضَّامِنَ فِيمَا ضَمِنَهُ فِيهِ)؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَرْعًا؛ (كَمَا لَوْ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ اثْنَيْنِ (مَا)؛ أَيْ: دَيْنًا (عَلَى شَخْصٍ، ثُمَّ ضَمِنَ أَحَدُهُمَا)؛ أَيْ أَحَدُ الضَّامِنَيْنِ (صَاحِبَهُ)- وَهُوَ الضَّامِنُ الْآخَرُ- فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ بِضَمَانِ الْأَصْلِ، فَهُوَ أَصْلٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ فَرْعًا، (وَصَحَّ لَوْ ضَمِنَاهُ)؛ أَيْ: ضَمِنَ الْمَدِينُ اثْنَانِ، (ثُمَّ ضَمِنَ أَحَدُهُمَا)؛ أَيْ: أَحَدُ الضَّامِنَيْنِ (حِصَّةَ صَاحِبِهِ) مِنْ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ. (وَلِرَبِّ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ ضَامِنٍ وَمَضْمُونٍ مَعًا لِثُبُوتِهِ)؛ أَيْ: الْحَقِّ (بِذِمَّتَيْهِمَا، وَ) لَهُ مُطَالَبَةُ (أَيِّهِمَا شَاءَ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ قَالَ: الْتَزَمْت أَوْ تَكَفَّلْتُ بِالْمُطَالَبَةِ دُونَ أَصْلَ الدَّيْنِ؛ لَمْ يَصِحَّ (فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ)؛ لِمَا سَبَقَ، فَإِنْ قِيلَ: الشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَشْغَلُ مَحِلَّيْنِ أُجِيبُ بِأَنَّ إشْغَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَلُّقِ وَالِاسْتِيثَاقِ؛ كَتَعَلُّقِ دَيْنِ الرَّهْنِ بِهِ وَبِذِمَّةِ الرَّاهِنِ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا) يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ (الْمُعْسِرِ مِنْهُمَا)؛ أَيْ: مِنْ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ عَنْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ}: (وَلَا) مُطَالَبَةَ (مِنْ)؛ أَيْ: ضَامِنٍ (ضَمِنَ) الدَّيْنَ (الْحَالَّ مُؤَجَّلًا) حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ الَّذِي ضَمِنَهُ إلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» فَلَا يُطَالَبُ الضَّامِنُ قَبْلَ مَجِيءِ وَقْتٍ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ الْوَفَاءَ- وَلَوْ كَانَ حَالًّا- لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهِ إلَّا مُؤَجَّلًا، وَأَمَّا الْمَضْمُونُ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ فِي الْحَالِّ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ لَمْ يُؤَجَّلْ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ أَحَالَ رَبُّ دَيْنٍ) عَلَى مَضْمُونٍ عَنْهُ بِدَيْنِهِ؛ بَرِئَ ضَامِنٌ. (أَوْ أُحِيلَ)؛ أَيْ: أَحَالَهُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ (بِدَيْنِهِ)؛ بَرِئَ ضَامِنٌ، (أَوْ زَالَ عَقْدٌ)؛ بِأَنْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ الَّذِي ضَمِنَ فِيهِ الثَّمَنَ، أَوْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ- وَقَدْ ضَمِنَ الْأُجْرَةَ- (بَرِئَ ضَامِنٌ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ وَالضَّمَانُ وَثِيقَةٌ، فَإِذَا بَرِئَ الْأَصْلُ زَالَتْ الْوَثِيقَةُ. قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَبَرِئَ كَفِيلٌ، وَبَطَلَ رَهْنٌ) إنْ كَانَ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالتَّسْلِيمِ؛ لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ (وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ) رَبُّ دَيْنٍ (بِهِ)؛ أَيْ: الدَّيْنِ (لِلْغَيْرِ) فَيَبْرَأُ ضَامِنٌ وَكَفِيلٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ضَمِنَهُ لَهُ، لَا لِلْغَيْرِ. وَلَا يَبْرَأُ ضَامِنٌ وَكَفِيلٌ، وَلَا يَبْطُلُ رَهْنٌ (إنْ مَاتَ رَبُّ دَيْنٍ)، فَوَرِثَ الْحَقَّ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ لِلْمَيِّتِ، فَتُورَثُ عَنْهُ؛ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَكَذَا لَا يَبْرَأُ ضَامِنٌ وَكَفِيلٌ إنْ مَاتَ (مَدِينٌ)، وَتَعَجَّلَ أَخْذُ الدَّيْنِ مِنْ تَرِكَتِهِ. (وَإِنْ أَحَالَ رَبُّ دَيْنٍ عَلَى اثْنَيْنِ) مَدِينَيْنِ لَهُ (وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِآخَرَ ثَالِثًا)- مَفْعُولُ أَحَالَ- (لِيَقْبِضَ) الْمُحْتَالُ الدَّيْنَ (مِنْهُمَا) جَمِيعًا، (أَوْ) يَقْبِضَ (مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ؛ صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ هُنَا فِي نَوْعٍ وَلَا أَجَلَ وَلَا عَدَدَ، وَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَةُ اسْتِيثَاقٍ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنَ الْآخَرِ، وَأَحَالَهُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْحَقَّ مِنْ وَاحِدٍ؛ جَازَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مِنْ اثْنَيْنِ، (وَكَذَا) لَوْ أَحَالَهُ أَنْ يَقْبِضَ (مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ)؛ صَحَّ؛ لِاسْتِقْرَارِ الدَّيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، (لَكِنْ مَنْ لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ؛ فَالظَّاهِرُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الْمُحِيلِ)؛ لِانْتِقَالِ حَقِّهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ اسْتِيفَاءٌ، وَيَنْتَقِلُ الدَّيْنُ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَكِنْ لَا يُطَالَبُ الْآخَرُ حَتَّى يُؤَدِّيَ؛ كَمَا فِي ضَمَانِ الضَّامِنِ. قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ، وَأَطَالَ، (وَاخْتَارَ) ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ (مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الْمَضْمُونِ يَصِيرُ لِلضَّامِنِ، لَكِنْ لَا يُطَالَبُ الْمَضْمُونُ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى الْمُحْتَالِ) عَلَى الْمَذْهَبِ. وَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ: أَنَّ لِلضَّامِنِ مُطَالَبَةَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ. فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. (وَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ الْمَضْمُونَ قَبْلَ أَدَاءِ) الدَّيْنِ، (لَا إبْرَاءُ مُحْتَالٍ لَهُ)، وَإِنْ أَقَرَّ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ فَالظَّاهِرُ بُطْلَانُ الرَّهْنِ؛ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ رَهَنَهُ بِغَيْرِ دَيْنٍ لَهُ، وَالْأَصَحُّ فِي الضَّمَانِ أَنَّهُ إنْ قَالَ: ضَمِنْت مَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَضْمُونَ لَهُ؛ فَالضَّمَانُ بَاقٍ، وَإِنْ عَيَّنَ الْمَضْمُونَ لَهُ بِالدَّيْنِ؛ لَمْ يَصِحَّ الضَّامِنُ. (انْتَهَى) مَا قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ (مُلَخَّصًا). وَإِنْ أَحَالَ أَحَدُ اثْنَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ الْآخَرَ رَبَّ الدَّيْنِ بِهِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مَعًا؛ كَمَا لَوْ قَضَاهُ. (وَإِنْ أُبْرِئَ أَحَدُهُمَا)؛ أَيْ: أَبْرَأَهُ رَبُّ الدَّيْنِ (مِنْ الْكُلِّ) بَرِئَ مِمَّا عَلَيْهِ أَصَالَةً وَضَمَانًا، (وَبَقِيَ عَلَى الْآخَرِ أَصَالَةً)؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَمْ يُصَادِفْهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَالَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْهُ بِإِبْرَاءِ الْأَصْلِ. (وَإِنْ أَحَالَ أَحَدُهُمَا)؛ أَيْ: الْمُتَضَامِنَيْنِ أَوْ الْمَدِينُ وَالضَّامِنِ (رَبَّ الدَّيْنِ) عَلَى مَلِيءٍ [بِدَيْنِهِ] (بَرِئَا) جَمِيعًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ بَرِئَ مَدْيُونٌ) بِوَفَاءٍ، أَوْ إبْرَاءٍ أَوْ حَوَالَةٍ (بَرِئَ ضَامِنُهُ)؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ وَالضَّمَانُ وَثِيقَةٌ- فَإِذَا بَرِئَ الْأَصِيلُ زَالَتْ الْوَثِيقَةُ؛ كَالرَّهْنِ، (وَلَا عَكْسُ)؛ أَيْ: لَا يَبْرَأُ مَدِينٌ بِبَرَاءَةِ ضَامِنِهِ؛ لِعَدَمِ تَبَعِيَّتِهِ لَهُ (وَلَوْ لَحِقَ ضَامِنٌ بِدَارِ حَرْبٍ مُرْتَدًّا أَوْ) كَانَ (كَافِرًا أَصْلِيًّا) فَضَمِنَ وَلَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ؛ (لَمْ يَبْرَأْ) مِنْ الضَّمَانِ؛ كَالدَّيْنِ الْأَصْلِيِّ (وَإِنْ قَالَ رَبُّ دَيْنٍ لِضَامِنٍ: [بَرِئْتُ] إلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ) الدَّيْنَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبَرَاءَتِهِ بِفِعْلٍ وَاصِلٍ إلَيْهِ مِنْ الضَّامِنِ، وَالْبَرَاءَةُ لَا تَكُونُ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ إلَّا بِأَدَائِهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَلَا يَرْجِعُ) بَعْدَ ذَلِكَ (عَلَى) مَدِينٍ (مَضْمُونٌ)؛ لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) يَكُونُ قَوْلُهُ لِلضَّامِنِ: (أَبْرَأْتُكَ) مِنْ الدَّيْنِ، (أَوْ بَرِئْتَ مِنْهُ)- مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ: إلَيَّ- إقْرَارًا بِقَبْضِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، أَمَّا فِي أَبْرَأْتُكَ؛ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي بَرِئْتَ مِنْهُ؛ فَلِأَنَّ الْبَرَاءَةَ قَلَّمَا تُضَافُ إلَى مَا لَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مِنْهُ كَقَوْلِهِ: بَرِئَتْ ذِمَّتُكَ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْبَرَاءَةُ بِفِعْلِ الضَّامِنِ أَوْ الْمَضْمُونِ لَهُ، فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَيَسْقُطُ الضَّمَانُ) عَنْ الضَّامِنِ فَقَطْ، فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِإِبْرَاءِ رَبِّ الْحَقِّ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلِرَبِّ الدَّيْنِ مُطَالَبَةُ الْمَدِينِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) قَوْلُ رَبِّ دَيْنٍ لِضَامِنٍ: (وَهَبْتُكَهُ)؛ أَيْ: الدَّيْنَ (تَمْلِيكٌ لَهُ)؛ أَيْ: لِلضَّامِنِ، (فَيَرْجِعُ الضَّامِنُ بِالدَّيْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى مَضْمُونٍ) عَنْهُ؛ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ عَنْهُ، ثُمَّ وَهَبَهُ إيَّاهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ هِبَةِ الدَّيْنِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلَوْ ضَامِنًا. (وَلَوْ) ضَمِنَ (ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ عَنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا، فَأَسْلَمَ مَضْمُونٌ لَهُ أَوْ) مَضْمُونٌ (عَنْهُ بَرِئَ) الْمَضْمُونُ عَنْهُ (كَضَامِنِهِ)؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا، وَلَا يَجُوزُ وُجُوبُ الْخَمْرِ عَلَى مُسْلِمٍ، وَالضَّامِنُ فَرْعُهُ. (وَإِنْ أَسْلَمَ ضَامِنٌ) فِي خَمْرٍ دُونَ مَضْمُونٍ لَهُ وَمَضْمُونٍ عَنْهُ؛ (بَرِيءَ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وُجُوبُ الْخَمْرِ عَلَى مُسْلِمٍ وَجَدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ، فَلَا يَبْرَأُ الْأَصْلُ بِبَرَاءَتِهِ. (وَإِذَا تَبَايَعَ ذِمِّيَّانِ خَمْرًا بِثَمَنٍ بِذِمَّةٍ، وَأُقْبِضَ)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ- (الْخَمْرُ ثُمَّ مَاتَ بَائِعُهُ)؛ أَيْ: الْخَمْرِ، (وَأَسْلَمَ وَارِثُهُ؛ جَازَ لَهُ)؛ أَيْ: الْوَارِثِ (أَخْذُ الثَّمَنِ نَصًّا)؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ: «وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا». (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا فِي جَوَازِ أَخْذِ الثَّمَنِ لَوْ أَسْلَمَ بَائِعُهُ)؛ أَيْ: الْخَمْرِ وَحْدَهُ (أَوْ) أَسْلَمَ (مُشْتَرِي) الْخَمْرِ وَحْدَهُ، (أَوْ) أَسْلَمَا (هُمَا)؛ أَيْ: الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي بَعْدَ تَبَايُعِهِمَا وَتَقَابُضِ الْخَمْرِ (أَوْ لَمْ يَمُوتَا)؛ أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ، (لِاسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ) بِذِمَّةِ الْمُشْتَرِي (بِقَبْضِ الْخَمْرِ، وَاحْتُمِلَ) إنَّمَا يَحْكُمُ لَهُ بِهِ وَيَطِيبُ لَهُ أَكْلُهُ (إنْ أَسْلَمَا) أَوْ أَحِدُهُمَا (بَعْدَ أَنْ تَفَرَّقَا مِنْ مَجْلِسِ عَقْدٍ)؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ إلَّا بِالتَّفَرُّقِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.(فَرْعٌ): [الضَّامِنُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ]:

(لَوْ قَالَ) الضَّامِنُ: (ضَمِنْت) وَكَانَ ضَمَانِي لِذَلِكَ (قَبْلَ بُلُوغِي)، وَقَالَ الْمَضْمُونُ لَهُ: بَلْ كَانَ الضَّمَانُ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ الصِّحَّةُ، (أَوْ) قَالَ: ضَمِنْت (حَالَ جُنُونِي)، وَأَنْكَرَهُ مَضْمُونٌ لَهُ؛ (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْ الضَّامِنِ (- وَلَوْ عُرِفَ لَهُ حَالُ جُنُونٍ-)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ سَلَامَةُ الْعَقْدِ.

.(فَصْلٌ): [شَرْطُ صِحَّةِ الضَّمَانِ]:

وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ ضَمَانٍ (رِضَا ضَامِنٍ)؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ بِالْتِزَامِ الْحَقِّ، فَاعْتُبِرَ لَهُ الرِّضَى؛ كَالتَّبَرُّعِ بِالْأَعْيَانِ، وَ(لَا) يُعْتَبَرُ رِضَى (مَنْ ضُمِنَ)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ- لِأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ ضَمِنَ الْمَيِّتَ بِالدِّينَارَيْنِ بِغَيْرِ رِضَى الْمَضْمُونِ لَهُ، وَأَقَرَّهُ الشَّارِعُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِصِحَّةِ قَضَاءِ دَيْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَأَوْلَى ضَمَانُهُ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَى مَنْ (ضُمِنَ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَا يُعْتَبَرُ لَهَا قَبْضٌ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ لَهَا رِضًى؛ كَالشَّهَادَةِ. (وَلَا) يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الضَّمَانِ (أَنْ يَعْرِفَهُمَا)؛ أَيْ: الْمَضْمُونَ لَهُ وَالْمَضْمُونَ عَنْهُ (ضَامِنٌ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا، فَكَذَا مَعْرِفَتُهُمَا. (وَلَا) تُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ ضَامِنٍ (الْعِلْمَ بِالْحَقِّ)؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِحَقٍّ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ، فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ؛ كَالْإِقْرَارِ. (وَلَا) تُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ (وُجُوبِهِ)؛ أَيْ: الْحَقِّ (إنْ آلَ إلَيْهَا)؛ أَيْ: إلَى الْعِلْمِ وَالْوُجُوبِ؛ فَيَصِحُّ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبُ إذَا آلَ إلَى الْوُجُوبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}. فَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى ضَمَانِ حِمْلِ الْبَعِيرِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ. لَا يُقَالُ الضَّمَانُ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ شَيْءٌ فَلَا ضَمٌّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمَّ ذِمَّتَهُ إلَى ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُهُ، وَثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ مَا يَثْبُتُ فِيهَا، وَهَذَا كَافٍ. (فَيَصِحُّ) قَوْلُهُ (ضَمِنْتُ لِزَيْدٍ مَا عَلَى بَكْرٍ) أَوْ مَا عَلَى زَيْدٍ عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي وَنَحْوُهُ. وَهَذِهِ أَمْثِلَةُ الْمَجْهُولِ، (أَوْ) ضَمِنْتُ لَهُ (مَا يُدَايِنُهُ) وَهُوَ [مِنْ] أَمْثِلَةِ مَا يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ، (أَوْ) ضَمِنْتُ لَهُ (مَا يُقِرُّ لَهُ بِهِ)، أَوْ مَا تَقُومُ لَهُ بِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ، أَوْ مَا يُخْرِجُهُ الْحِسَابُ بَيْنَهُمَا، أَوْ مَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ، وَهَذِهِ أَمْثِلَةُ الْمَجْهُولِ أَيْضًا. (وَلَهُ) أَيْ: الضَّامِنِ (إبْطَالُهُ)؛ أَيْ: الضَّمَانِ (قَبْلَ وُجُوبِهِ)، لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالْوُجُوبِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمَوْتِ ضَامِنٍ، (وَإِنْ) قَالَ إنْسَانٌ لِزَيْدٍ: (مَا أَعْطَيْتُهُ لَهُ)؛ أَيْ: لِعَمْرٍو فَهُوَ (- عَلَيَّ وَلَا قَرِينَةَ) تَدُلُّ عَلَى مَا أَعْطَاهُ فِي الْمَاضِي أَوْ مَا يُعْطِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ- فَهُوَ (لِمَا وَجَبَ فِي الْمَاضِي)، حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، إذْ هِيَ الْمُتَبَادِرَةُ مِنْهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ.
(وَمِنْهُ)؛ أَيْ: مِنْ ضَمَانِ مَا يَجِبُ (ضَمَانُ السُّوقِ، وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ مَا يَلْزَمُ التَّاجِرَ مِنْ دَيْنٍ، وَمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ غَيْنٍ مَضْمُونَةٍ). قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ تَجُوزُ كِتَابَتُهُ وَالشَّهَادَةُ بِهِ لِمَنْ لَمْ يَرَ جَوَازَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ اجْتِهَادِهِ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِعَانَةِ عَلَيْهِمْ فَحَرَامٌ، (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (صِحَّةَ ضَمَانِ حَارِسٍ وَنَحْوِهِ وَتُجَّارِ حَرْبٍ مَا يَذْهَبُ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ الْبَحْرِ)، وَإِنَّ غَايَتَهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَضَمَانُ الْمَجْهُولِ كَضَمَانِ السُّوقِ، وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ الضَّامِنُ مَا يَجِبُ عَلَى التُّجَّارِ مِنْ الدُّيُونِ، وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَأَحْمَدَ. وَقَالَ أَيْضًا: الطَّائِفَةُ الْوَاحِدَةُ الْمُمْتَنِعَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الَّتِي يَنْصُرُ بَعْضُهَا بَعْضًا تَجْرِي مَجْرَى الشَّخْصِ الْوَاحِدِ فِي مُعَاهَدَتِهِنَّ، وَإِذَا شَرَطُوا عَلَى أَنَّ تُجَّارَهُمْ يَدْخُلُونَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَأْخُذُوا لِلْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، وَمَا أَخَذُوهُ كَانُوا ضَامِنِينَ لَهُ، وَالْمَضْمُونُ يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِ التُّجَّارِ؛ جَازَ ذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إذَا أَخَذُوا مَالًا لِتُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُطَالِبَهُمْ بِمَا ضَمِنُوهُ وَيَحْبِسَهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ. انْتَهَى (وَيَصِحُّ ضَمَانُ مَا صَحَّ أَخْذُ رَهْنٍ بِهِ) مِنْ دَيْنٍ وَعَيْنٍ، لَا عَكْسُهُ؛ لِصِحَّةِ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ دُونَ أَخْذِ الرَّهْنِ بِهَا.
(وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (نَحْوِ جُعْلٍ) فِي جَعَالَةٍ وَمُسَابَقَةٍ وَمُنَاضَلَةٍ- وَلَوْ قَبْلَ الْعَمَلِ- لِأَنَّ الْجُعْلَ يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ إذَا عَمِلَ الْعَمَلَ، لَا ضَمَانِ الْعَمَلِ فِي الْجَعَالَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ وَالْمُسَابَقَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ.
(وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (دَيْنِ ضَامِنٍ) بِأَنْ يَضْمَنَهُ ضَامِنٌ آخَرُ، وَكَذَا ضَامِنُ الضَّامِنِ، فَأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَازِمٌ [فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ، فَيَصِحُّ ضَمَانُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، فَيَثْبُتُ الْحَقُّ] عَلَى الْجَمِيعِ أَيُّهُمْ قَضَاهُ بَرِئُوا، وَإِنْ بَرِئَ الْمَدِينُ، بَرِئَ الْكُلُّ، وَإِنْ أَبْرَأَ مَضْمُونٌ لَهُ أَحَدَهُمْ؛ بَرِئَ وَمَنْ بَعْدَهُ لَا مَنْ قَبْلَهُ.
(وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (مَيِّتٍ) وَإِنْ (لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً) لِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ دِينَارَانِ قَالَ: هَلْ تَرَكَ لَهُمَا وَفَاءً؟ قَالُوا: لَا، فَتَأَخَّرَ، فَقَالُوا: لِمَ لَا تُصَلِّي؟ فَقَالَ: مَا تَنْفَعُهُ صَلَاتِي وَذِمَّتُهُ مَرْهُونَةٌ، أَلَا قَامَ أَحَدُكُمْ فَضَمِنَهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. (وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ)؛ أَيْ: الْمَيِّتِ (قَبْلَ وَفَاءِ) دَيْنِهِ (نَصًّا)؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى دَيْنُهُ». وَلَمَّا أَخْبَرَ أَبُو قَتَادَةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَفَاءِ الدِّينَارَيْنِ قَالَ: «الْآنَ بَرَدَتْ جِلْدَتُهُ» رَوَاه أَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِدَيْنِهِ؛ أَشْبَهَ الرَّهْنَ، وَكَالْحَيِّ.
(وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (مُفْلِسٍ مَجْنُونٍ)؛ لِعُمُومِ: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ». (مَعَ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ دَيْنًا وَأُخْرَى إنْ لَمْ يُفَرِّطْ قَبْلُ). قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ لَكِنَّ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ لَا يُسْقِطُهُ.
(وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (نَقْصِ صَنْجَةٍ أَوْ) (كَيْلٍ) أَيْ: مِكْيَالٍ فِي بَذْلِ وَاجِبٍ أَوْ مَآلِهِ إلَيْهِ، مَا لَمْ يَكُنْ دَيْنَ سَلَمٍ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ بَاذِلٍ، فَصَحَّ ضَمَانُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ؛ وَلِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ ضَمَانٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ؛ كَضَمَانِ الْعُهْدَةِ، (وَيَرْجِعُ) قَابِضٌ (بِقَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ) فِي قَدْرِ نَقْصٍ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا ادَّعَاهُ بَاذِلٌ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ اشْتِغَالِ ذِمَّةِ بَاذِلٍ، وَلِرَبِّ الْحَقِّ طَلَبُ ضَامِنٍ بِهِ؛ لِلُزُومِهِ مَا يَلْزَمُ الْمَضْمُونُ. (وَيَتَّجِهُ لَا) يَرْجِعُ قَابِضُ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ وَجَدَهُ نَاقِصًا عَلَى ضَامِنِ نَقْصِهِ (مَعَ تَصْدِيقِ بَاذِلٍ)، فَيُطَالِبُ الْبَاذِلَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ لَهُ بِذَلِكَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) يَصِحُّ ضَمَانُ (عُهْدَةِ مَبِيعٍ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى الْوَثِيقَةِ، وَالْوَثَائِقُ ثَلَاثَةٌ: الشَّهَادَةُ وَالرَّهْنُ وَالضَّمَانُ، وَالشَّهَادَةُ لَا يُسْتَوْفَى مِنْهَا الْحَقُّ؛ وَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ ضَمَانُهُ فِيهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ حَبْسُ الرَّهْنِ إلَى أَنْ يُؤَدَّى، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيُؤَدِّي إلَى حَبْسِهِ أَبَدًا [؛ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ الضَّمَانِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ لَامْتَنَعَتْ الْمُعَامَلَاتُ مَعَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ]، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ رَافِعٌ لِأَصْلِ الْحِكْمَةِ الَّتِي شُرِعَ الْبَيْعُ مِنْ أَجْلِهَا. وَعُهْدَةُ الْمَبِيعِ لُغَةً الصَّكُّ يُكْتَبُ فِيهِ الِابْتِيَاعُ، وَاصْطِلَاحًا ضَمَانُ الثَّمَنِ (عَنْ بَائِعٍ لِمُشْتَرٍ بِأَنْ يَضْمَنَ) الضَّامِنُ (عَنْهُ)؛ أَيْ: الْبَائِعِ. (الثَّمَنَ)- وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ- لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ (إنْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ)؛ أَيْ: ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِ بَائِعٍ، (أَوْ رُدَّ) الْمَبِيعُ عَلَى بَائِعٍ (بِعَيْبٍ) أَوْ غَيْرِهِ، (أَوْ) يَضْمَنُ (أَرْشَهُ) إنْ اخْتَارَ مُشْتَرٍ إمْسَاكَهُ مَعَ عَيْبٍ، (وَ) يَكُونُ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ (عَنْ مُشْتَرٍ لِبَائِعٍ بِأَنْ يَضْمَنَ) الضَّامِنُ (عَنْهُ الثَّمَنَ الْوَاجِبَ) فِي الْمَبِيعِ (قَبْلَ تَسْلِيمِهِ، أَوْ إنْ ظَهَرَ بِهِ)؛ أَيْ: الثَّمَنِ (عَيْبٌ، أَوْ اُسْتُحِقَّ) الثَّمَنُ؛ أَيْ: خَرَجَ مُسْتَحَقًّا؛ فَضَمَانُ الْعُهْدَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ أَوْ جُزْءٌ مِنْهُ عَنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ (وَلَوْ بَنَى مُشْتَرٍ) فِي مَبِيعٍ، ثُمَّ بَانَ مُسْتَحَقًّا، (فَهَدَمَهُ مُسْتَحِقٌّ، فَالْأَنْقَاضُ لِرَبِّهَا)- وَهُوَ الْمُشْتَرِي- لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَمْ يَزُلْ عَنْهَا. (وَيَرْجِعُ مُشْتَرٍ) لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمَبِيعَ مَغْصُوبٌ (بِقِيمَةِ تَالِفٍ) مِنْ ثَمَنِ مَاءِ وَرَدٍ وَطِينٍ وَنَوْرَةٍ وَجِصٍّ وَنَحْوِهِ (عَلَى بَائِعٍ)؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَكَذَا أُجْرَةُ مُعَمَّرِينَ وَثَمَنُ الْمُؤْنَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ وَأَرْشُ النَّقْصِ الْحَاصِلِ بِالْقَلْعِ وَأُجْرَةُ الْمَبِيعِ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ، (وَيَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْعُهْدَةِ)؛ فَلِمُشْتَرٍ رُجُوعٌ بِهِ عَلَى ضَامِنِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَرَكِ الْمَبِيعِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ قُلِعَ غِرَاسٌ) بِظُهُورِ اسْتِحْقَاقِ أَرْضٍ مَبِيعَةٍ، فَيَرْجِعُ مُشْتَرٍ بِمَا غَرِمَ عَلَى الْغَرْسِ وَبِمَا نَقَصَهُ الْغِرَاسُ بِسَبَبِ الْقَلْعِ عَلَى ضَامِنِ الْعُهْدَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَأَلْفَاظُ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ ضَمِنْتُ عُهْدَتَهُ أَوْ ثَمَنَهُ أَوْ دَرَكَهُ، أَوْ يَقُولُ) الضَّامِنُ (لِلْمُشْتَرِي: ضَمِنْتُ خَلَاصَكَ مِنْهُ، أَوْ مَتَى خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَقَدْ ضَمِنْتُ كَذَا الثَّمَنُ).
وَ(لَا) يَصِحُّ (إنْ ضَمِنَ لِمُشْتَرٍ خَلَاصَ الْمَبِيعِ. قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: كَيْفَ يَسْتَطِيعُ الْخَلَاصَ؟) وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ (إذَا خَرَجَ حُرًّا) أَوْ مُسْتَحَقًّا لَمْ يَسْتَطِعْ خَلَاصَهُ. (وَيَصِحُّ ضَمَانُ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ كَمَقْبُوضٍ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ وَوَلَدِهِ)؛ أَيْ: الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الضَّمَانِ، وَكَذَا غَصْبٌ وَعَارِيَّةٌ؛ فَيَصِحُّ ضَمَانُهُمَا (فِي بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ)- مُتَعَلِّقٌ بِسَوْمٍ- لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ يَضْمَنُهَا مَنْ هِيَ بِيَدِهِ لَوْ تَلِفَتْ؛ فَصَحَّ ضَمَانُهَا كَعُهْدَةِ الْمَبِيعِ (إنْ قَطَعَ ثَمَنَهُ أَوْ أُجْرَتَهُ أَوْ سَامَهُ فَقَطْ) بِلَا قَطْعِ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ (لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ إنْ رَضُوهُ وَإِلَّا رَدَّهُ)؛ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى حُكْمِ الْبَدَلِ وَالْعِوَضِ، لَكِنْ فِي الْإِجَارَةِ يَنْبَغِي ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ، لَا الْعَيْنِ؛ إذْ فَاسِدُ الْعُقُودِ كَصَحِيحِهَا؛ كَمَا يَأْتِي.
وَ(لَا) ضَمَانَ عَلَى أَخْذِهِ (إنْ أَخَذَهُ لِذَلِكَ)؛ أَيْ: لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ (بِلَا مُسَاوَمَةٍ أَوْ قَطْعِ ثَمَنٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا سَوْمَ فِيهِ؛ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانٌ. وَمَعْنَى ضَمَانِ الْغَصْبِ وَنَحْوِهِ ضَمَانُ انْتِقَاضِهِ وَالْتِزَامُ تَحْصِيلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ عِنْدَ تَلَفِهِ؛ فَهُوَ كَعُهْدَةِ الْمَبِيعِ (وَيَتَّجِهُ). (وَلَا) يَصِحُّ ضَمَانٌ (زَائِدٍ عَنْ قَدْرِ مَا يَأْخُذُ مِنْهُ)؛ بِأَنْ سَاوَمَهُ عَلَى عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ ثَوْبٍ بَيَّنَ لَهُ ابْتِدَاءَهَا وَانْتِهَاءَهَا، ثُمَّ أَخَذَ الثَّوْبَ لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ فَقَطَعَ مِنْهُ عَشَرَةً؛ فَلَا ضَمَانَ فِيمَا زَادَ عَنْ الْعَشَرَةِ إنْ تَلِفَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ سَوْمٌ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) يَصِحُّ ضَمَانُ (بَعْضٍ لَمْ يُقَدَّرْ مِنْ دَيْنٍ)؛ لِجَهَالَتِهِ حَالًا وَمَآلًا (أَوْ) ضَمَانُ (أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ)؛ لِلْجَهَالَةِ أَيْضًا. (وَلَا) يَصِحُّ ضَمَانُ (دَيْنِ كِتَابَةٍ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلَا يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَهُ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ الْأَدَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ الْأَصْلُ فَالْفَرْعُ أَوْلَى. (وَلَا) يَصِحُّ ضَمَانُ (أَمَانَةٍ كَوَدِيعَةٍ وَرَهْنٍ وَمُؤَجَّرٍ) وَمَالِ الشَّرِكَةِ وَعَيْنٍ وَثَمَنٍ بِيَدِ وَكِيلٍ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُومَةٍ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ، فَكَذَا عَلَى ضَامِنِهِ، (إلَّا أَنْ يَضْمَنَ التَّعَدِّيَ فِيهَا)؛ فَيَصِحُّ ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّهَا مَعَ التَّعَدِّي كَالْغَصْبِ. (وَصَحَّ ضَمَانُ أَرْشِ جِنَايَةٍ)، نُقُودًا كَانَ الْأَرْشُ كَقِيمَةِ مُتْلَفٍ أَوْ حَيَوَانًا كَالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ (وَ) صَحَّ ضَمَانُ (نَقْدٍ وَ) ضَمَانُ (نَفَقَةِ زَوْجَةٍ، مُسْتَقْبَلَةً) كَانَتْ (أَوْ مَاضِيَةً)؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَيَلْزَمُهُ)؛ أَيْ: الضَّامِنَ (مَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ) عَلَى مَا يَأْتِي، وَلَوْ زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ مِنْ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ. (وَيَتَّجِهُ) لُزُومُ الضَّامِنِ مَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ (مَا دَامَتْ) الزَّوْجَةُ (فِي عِصْمَتِهِ)؛ أَيْ: زَوْجِهَا، أَمَّا لَوْ بَانَتْ فَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ سِوَى النَّفَقَةِ مِنْ حِينِ الضَّمَانِ إلَى وَقْتِ الْبَيْنُونَةِ، (وَلَوْ مَاتَ ضَامِنٌ) قَبْلَ زَوَالِ الْعِصْمَةِ فَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَتَلْزَمُ الضَّامِنَ النَّفَقَةُ بِالْتِزَامِهِ- وَلَوْ (لَمْ يُقَدِّرْ زَمَنٌ)- لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ إيصَالَهَا لِلزَّوْجَةِ «وَالْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ». وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ بَاعَ) شَيْئًا (بِشَرْطِ ضَمَانِ دَرَكِهِ إلَّا مِنْ) [زَيْدٍ]؛ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ زَيْدٍ مِنْ ضَمَانِ دَرَكِهِ يَدُلُّ عَلَى حَقٍّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ بَاطِلًا، (ثُمَّ) إنْ (ضَمِنَ دَرَكَهُ مِنْهُ) أَيْضًا؛ (لَمْ يَعُدْ الْبَيْعُ صَحِيحًا)؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا. (وَإِنْ شُرِطَ خِيَارٌ فِي ضَمَانٍ أَوْ فِي كَفَالَةٍ)؛ بِأَنْ قَالَ: أَنَا ضَامِنٌ بِمَا عَلَيْهِ أَوْ كَفِيلٌ بِبَدَنِهِ وَلِي الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا؛ (فَسَدَا)؛ أَيْ: الضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ؛ لِمُنَافَاتِهِ لَهُمَا.

.(فَرْعٌ): [في ضمان ما ألقي من السفينة]:

(لَوْ خِيفَ غَرَقُ سَفِينَةٍ) فَأَلْقَى بَعْضُ مَنْ فِيهَا مَتَاعَهُ فِي الْبَرِّ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ- وَلَوْ نَوَى الرُّجُوعَ- وَيَجِبُ الْإِلْقَاءُ إنْ خِيفَ تَلَفُ الرُّكْبَانِ بِالْغَرَقِ، فَيُلْقَى مَا لَا رُوحَ فِيهِ، فَإِنْ خِيفَ الْغَرَقُ بَعْدَ ذَلِكَ أُلْقِيَ الْحَيَوَانُ غَيْرُ الْآدَمِيِّ، فَإِنْ خَافُوا الْغَرَقَ، (فَقَالَ) بَعْضُ مَنْ فِيهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: (أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ)، فَأَلْقَاهُ؛ (فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْآمِرِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى إلْقَائِهِ، وَلَمْ يَضْمَنْهُ لَهُ، (وَإِنْ قَالَ): أَلْقِهِ فِي الْبَحْرِ (وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، ضَمِنَ) الْآمِرُ الْجَمِيعَ وَحْدَهُ؛ لِصِحَّةِ ضَمَانِ مَا لَمْ يَجِبْ، (وَ) إنْ قَالَ: أَلْقِهِ فِي الْبَحْرِ، وَ(أَنَا وَرُكَّابُ السَّفِينَةِ ضَامِنُونَ؛ ضَمِنَ الْآمِرُ وَحْدَهُ بِحِصَّتِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ بِالْجَمِيعِ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ حِصَّتَهُ، وَأَخْبَرَ عَنْ سَائِرِ رُكَّابِ السَّفِينَةِ بِضَمَانِ سَائِرِهِ؛ فَلَزِمَتْهُ حِصَّتُهُ، وَلَمْ يَسْرِ قَوْلُهُ عَلَى الْبَاقِينَ، (وَ) إنْ قَالَ: أَلْقِهِ فِي الْبَحْرِ و(كُلُّ وَاحِدٍ) مِنَّا (ضَامِنٌ كُلَّ مَتَاعِكَ) أَوْ قِيمَتِهِ (فَعَلَى الْقَائِلِ) وَحْدَهُ ضَمَانُ (الْجَمِيعِ. وَلَوْ سَمِعُوا)؛ أَيْ: رُكَّابُ السَّفِينَةِ (قَوْلَهُ، فَسَكَتُوا)، أَوْ قَالُوا: لَا تَفْعَلْ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ بِهِ حَقٌّ، (وَإِنْ رَضُوا)؛ أَيْ: الرُّكَّابُ (بِمَا قَالَ؛ لَزِمَهُمْ) الْغُرْمُ، وَيُوَزَّعُ عَلَى عَدَدِهِمْ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الضَّمَانِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ضَمَانِ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى مَدِينٍ، فَإِنْ قَالُوا ضَمِنَّا لَكَ الدَّيْنَ كَانُوا شُرَكَاءَ، عَلَى كُلٍّ حِصَّتُهُ، وَإِنْ قَالُوا كُلٌّ مِنَّا ضَامِنٌ لَكَ الدَّيْنَ؛ طُولِبَ كُلُّ وَاحِدٍ كَامِلًا.
(وَ) لَوْ قَالَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ مَثَلًا: (اعْتِقْ عَبْدَك، أَوْ طَلِّقْ امْرَأَتَكَ وَعَلَيَّ كَذَا)؛ أَيْ: أَلْفٌ مَثَلًا (أَوْ) عَلَيَّ (مَهْرُهَا)، فَطَلَّقَهَا؛ (لَزِمَهُ)؛ أَيْ: الْقَائِلَ مَا الْتَزَمَهُ.
(وَ) لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ: (بِعْهُ)؛ أَيْ: بِعْ عَمْرًا مَثَلًا (عَبْدُك بِمِائَةٍ وَعَلَيَّ مِائَةٌ أُخْرَى؛ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ)، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الثَّانِي إتْلَافٌ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.
(وَ) لَوْ قَالَ: (بِعْهُ وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ؛ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ حَالَ عُقِدَ، (وَإِنْ كَانَ) قَوْلُهُ: بِعْهُ وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ (عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ)؛ أَيْ: أَرَادَ وَأَنَا ضَامِنٌ ثَمَنَهُ؛ (صَحَّا)؛ أَيْ: الْبَيْعُ وَالضَّمَانُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.

.[فَصْلٌ]: [فيما لو قَضَى الدَّيْنَ ضَامِنٌ]:

(وَإِنْ) (قَضَى الدَّيْنَ ضَامِنٌ، أَوْ أَحَالَ) ضَامِنٌ رَبَّ دَيْنٍ (بِهِ، وَلَمْ يَنْوِ) ضَامِنٌ (رُجُوعًا) عَلَى مَضْمُونٍ عَنْهُ بِمَا قَضَاهُ أَوْ أَحَالَ بِهِ عَنْهُ- (وَلَوْ) كَانَ عَدَمُ نِيَّةِ الرُّجُوعِ (ذُهُولًا)- (لَمْ يَرْجِعْ)؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ سَوَاءٌ كَانَ الضَّمَانُ وَالْقَضَاءُ وَالْحَوَالَةُ بِإِذْنِ الْمَضْمُونِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ مُبَرِّئٌ مِنْ دَيْنٍ وَاجِبٍ، فَكَانَ مِنْ ضَمَانِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ؛ كَالْحَاكِمِ إذَا قَضَى عَنْهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ- (وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ) الْمَضْمُونُ (فِي ضَمَانٍ وَلَا قَضَاءٍ)- لِمَا سَبَقَ. وَأَمَّا قَضَاءُ عَلِيٍّ وَأَبِي قَتَادَةَ عَنْ الْمَيِّتِ، فَكَانَ تَبَرُّعًا؛ لِقَصْدِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عِلْمِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً. وَالْكَلَامُ فِيمَنْ نَوَى الرُّجُوعَ، لَا مَنْ تَبَرَّعَ وَيَرْجِعُ ضَامِنٌ (بِالْأَقَلِّ مِمَّا قَضَى، وَلَوْ) كَانَ مَا قَضَاهُ لَا (قِيمَةَ عِوَضٍ عَوَّضَهُ) الضَّامِنُ (بِهِ)؛ أَيْ: الدَّيْنِ (أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ)، فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَوَفَّاهُ عَنْهُ ثَمَانِيَةً، أَوْ عَوَّضَهُ عَنْهُ عِوَضًا قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةٌ، أَوْ بِالْعَكْسِ؛ رَجَعَ بِالثَّمَانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ أَقَلَّ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ، وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ غَرِيمٌ؛ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ الدَّيْنَ فَالزَّائِدُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمَضْمُونِ فَالضَّامِنُ مُتَبَرِّعٌ بِهِ. (وَكَذَا) فِي الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ (كَفِيلٌ وَكُلُّ مُؤَدٍّ عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا وَاجِبًا)، فَيَرْجِعُ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ. وَإِلَّا فَلَا، (بِخِلَافِ دَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ؛ فَلَا يَرْجِعُ قَاضِيهِ) عَلَى الْمَدِينِ (قَبْلَ حُلُولِهِ)؛ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ (وَيَتَّجِهُ فِي دَيْنِ كِتَابَةٍ) إذَا قَضَاهُ شَخْصٌ عَنْ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ حُلُولِ نَجْمِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِنَظِيرِهِ؛ فَلَهُ (الرُّجُوعُ)؛ لِأَنَّهُ قَضَى عَنْهُ دَيْنًا وَاجِبًا صُورَةً، (وَ) أَمَّا إذَا قَضَاهُ قَبْلَ حُلُولِ النَّجْمِ، فَيَتَّجِهُ (عَدَمُهُ)؛ أَيْ: الرُّجُوعِ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِمَا أَدَّاهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْجِزُ نَفْسَهُ وَيَعُودُ إلَى الرِّقِّ، فَيَفُوتُ الْمَالُ عَلَى الدَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ مَالًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ؛ أَشْبَهَ الْمُتَبَرِّعَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَ(لَا) يَرْجِعُ مُؤَدٍّ عَنْ غَيْرِهِ (زَكَاةً وَنَحْوَهَا) مِمَّا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ؛ كَكَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ، (لَكِنْ يَرْجِعُ ضَامِنُ الضَّامِنِ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى الضَّامِنِ (وُجُوبًا)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الدَّفْعَ عَنْ الَّذِي ضَمِنَهُ دُونَ الْأَصِيلِ، (وَهُوَ)؛ أَيْ: الضَّامِنُ لِلْأَصِيلِ يَرْجِعُ (عَلَى الْأَصِيلِ) الْمَضْمُونِ عَنْهُ. (وَإِنْ أُحِيلَ)؛ أَيْ: أَحَالَ رَبَّ الدَّيْنِ بِهِ (عَلَى الضَّامِنِ؛ فَلَهُ)؛ أَيْ: الضَّامِنِ (مُطَالَبَةُ الْمَضْمُونِ) عَنْهُ (بِمُجَرَّدِهَا)؛ أَيْ: الْحَوَالَةِ؛ كَالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ، (فَلَوْ مَاتَ الضَّامِنُ) قَبْلَ أَدَاءِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ (وَلَمْ يَخْلُفْ تَرِكَةً؛ فَلِمُحْتَالٍ مُطَالَبَةُ وَرَثَتِهِ)؛ أَيْ: الضَّامِنِ الْمَيِّتِ، (وَ) لِوَرَثَتِهِ (أَنْ يُطَالِبُوا الْأَصِيلَ) وَيَدْفَعُوا لِلْمُحْتَالِ، (وَلَهُمْ الِامْتِنَاعُ) مِنْ الدَّفْعِ وَالْمُطَالَبَةِ؛ (لِعَدَمِ لُزُومِ الدَّيْنِ حِينَئِذٍ) لَهُمْ؛ أَيْ: حَيْثُ لَمْ يَجِدُوا تَرِكَةً، (وَيَرْفَعُ) الْمُحْتَالُ (الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ، فَيَأْخُذُ الدَّيْنَ مِنْ الْأَصِيلِ، وَيَدْفَعُهُ لِمُحْتَالٍ، وَلَمْ يَسْقُطْ دَيْنُهُ؛ لِعَدَمِ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الضَّامِنَ لَهُ تَرِكَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَسْتَحِقُّ بِذِمَّةِ الْأَصِيلِ)، وَكَذَا إذَا أَدَّى ضَامِنُ الضَّامِنِ وَمَاتَ الضَّامِنُ، قَبْلَ أَدَائِهِ إلَى ضَامِنِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا. (قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ) بَحْثًا. وَهُوَ ضَعِيفٌ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. ثُمَّ (قَالَ وَقَدْ نُقِلَ لِي أَنَّ) شَيْخَ الْإِسْلَامِ (الْبُلْقِينِيَّ الشَّافِعِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ انْتَهَى). (وَإِنْ أَبْرَأَ مُحْتَالٌ الضَّامِنَ بَرِئَ، وَطَالَبَ) مُحْتَالٌ (الْأَصِيلَ وَتَرَدَّدَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ) فِي ذَلِكَ. (فَإِنْ أَنْكَرَ مُقْتَضِي الْقَضَاءِ)؛ أَيْ: أَنْكَرَ رَبُّ الدَّيْنِ أَخْذَهُ مِنْ نَحْوِ ضَامِنٍ، (وَحَلَفَ) رَبُّ الْحَقِّ؛ (لَمْ يَرْجِعْ قَاضٍ)؛ أَيْ مُدَّعِي الْقَضَاءِ (عَلَى مَدِينٍ)؛ لِعَدَمِ بَرَاءَتِهِ بِهَذَا الْقَضَاءِ (وَلَوْ صَدَّقَ) مَدِينٌ عَلَى دَفْعِ الدَّيْنِ- لِأَنَّ عَدَمَ الرُّجُوعِ لِتَفْرِيطِ الضَّامِنِ وَنَحْوِهِ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَصْدِيقِهِ وَتَكْذِيبِهِ، (إلَّا إنْ ثَبَتَ) الْقَضَاءُ بِبَيِّنَةٍ (أَوْ حَضَرَهُ)؛ أَيْ: الْقَضَاءَ مَضْمُونٌ عَنْهُ، (وَثَبَتَ) حُضُورُهُ بِاعْتِرَافٍ أَوْ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ، (أَوْ أَشْهَدَ) دَافِعُ الدَّيْنِ (وَمَاتَ شُهُودُهُ أَوْ غَابُوا)؛ أَيْ: شُهُودُهُ، (وَصَدَّقَهُ)؛ أَيْ: الدَّافِعُ- وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُضُورَ- فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَدِينٍ عَلَى حُضُورِهِ أَوْ غَيْبَةِ شُهُودِهِ أَوْ مَوْتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ، وَلَيْسَ الْمَوْتُ أَوْ الْغَيْبَةُ مِنْ فِعْلِهِ. (وَيَتَّجِهُ فَيَرْجِعُ ضَامِنٌ) عَلَى مَدِينٍ ادَّعَى أَنَّهُ قَضَى عَنْهُ الدَّيْنَ، وَأَنْكَرَهُ الدَّائِنُ، وَأَخَذَهُ مِنْهُ ثَانِيًا، وَكَانَ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى الْقَضَاءِ، وَمَاتَ شُهُودُهُ، أَوْ غَابُوا، وَصَدَّقَهُ الْمَدِينُ فِي دَعْوَاهُ، وَيَأْخُذُ مِنْ الْمَدِينِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي دَفَعَهُ أَوَّلًا؛ لِحُصُولِ الْبَرَاءَةِ بِهِ بَاطِنًا، وَ(لَا) يَرْجِعُ عَلَيْهِ (بِمَا أَخَذَ مِنْهُ ثَانِيًا)؛ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الدَّائِنَ ظَلَمَهُ؛ فَلَا يَحْمِلُ ظُلْمَهُ لِغَيْرِهِ، (وَعَكْسُهُ وَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ)؛ أَيْ: لَمْ يُصَدِّقْ الْمَضْمُونُ عَنْهُ الضَّامِنَ وَلَا بَيِّنَةَ؛ فَيَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ الدَّائِنُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْمَدِينَ لَمْ يَبْرَأْ ظَاهِرًا إلَّا فِي الْقَضَاءِ الثَّانِي وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ)؛ أَيْ: الشُّهُودِ (بِنَحْوِ فِسْقٍ ظَاهِرٍ؛ لَمْ يَرْجِعْ) الضَّامِنُ؛ لِتَفْرِيطِهِ، وَإِنْ رُدَّتْ (بِأَمْرٍ خَفِيٍّ)؛ كَالْفِسْقِ الْبَاطِنِ، أَوْ لِكَوْنِ الشَّهَادَةِ مُخْتَلَفًا فِيهَا؛ كَشَهَادَةِ الْعَبِيدِ؛ (فَاحْتِمَالَانِ) أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ (وَيَرْجِعُ مَعَ شَاهِدٍ) وَاحِدٍ (وَيَمِينٍ). قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى (وَصَوَّبَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوع) لِقَبُولِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ مَعَ الْيَمِينِ فِي الْأَمْوَالِ. (وَإِنْ اعْتَرَفَ رَبُّ دَيْنٍ بِالْقَضَاءِ وَأَنْكَرَ مَدِينٌ؛ لَمْ يُسْمَعْ إنْكَارُهُ)؛ لِاعْتِرَافِ رَبِّ الْحَقِّ بِأَنَّ الَّذِي لَهُ صَارَ لِلضَّامِنِ؛ فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ. (وَمَنْ) (أَرْسَلَ آخَرَ إلَى مَنْ لَهُ)؛ أَيْ: الْمُرْسِلِ (عِنْدَهُ)؛ أَيْ: الْمُرْسَلِ إلَيْهِ (مَالٌ لِأَخْذِ دِينَارٍ) مِنْ الْمَالِ، (فَأَخَذَ) الرَّسُولُ مِنْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ (أَكْثَرَ) مِنْ دِينَارٍ، فَضَاعَ؛ (ضَمِنَهُ)؛ أَيْ: الْمَأْخُوذَ (مُرْسِلٌ) لِأَنَّهُ الْمُسَلِّطُ لِلرَّسُولِ، (وَرَجَعَ) مُرْسَلٌ (بِهِ)؛ أَيْ: الْمَأْخُوذِ (عَلَى رَسُولِهِ). نَقَلَهُ مُهَنَّا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ فِي بَابِ الْحَوَالَةِ وَابْنُ رَجَبٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذِهِ، وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ (إنْ ثَبَتَ) أَخْذُهُ الْأَكْثَرَ (بِاعْتِرَافِهِ)؛ أَيْ: الرَّسُولِ (أَوْ إقَامَةِ بَيِّنَةِ دَافِعٍ) بِذَلِكَ، فَإِنْ ضَمِنَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِيَدِهِ. (وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا) نَصًّا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَلِأَنَّهُ مَالٌ لَزِمَ مُؤَجَّلًا بِعَقْدٍ، فَكَانَ كَمَا الْتَزَمَهُ؛ كَالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، وَالْحَقُّ يَتَأَجَّلُ فِي ابْتِدَاءِ ثُبُوتِهِ إذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِعَقْدٍ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الضَّامِنِ حَالًّا وَتَأَجَّلَ، وَيَجُوزُ تَخَالُفُ مَا فِي الذِّمَّتَيْنِ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرَيْنِ؛ لَمْ يُطَالِبْ قَبْلَ مُضِيِّهَا، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (فَلَا يُطَالَبُ ضَامِنٌ قَبْلَ حُلُولِهِ)؛ أَيْ: الْأَجَلِ، (وَ) لِلدَّائِنِ مُطَالَبَةُ (مَدِينٍ فِي الْحَالِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَأَجَّلْ فِي حَقِّهِ. (وَضَامِنُ) دَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ حَالًا لَا يَلْزَمُهُ) أَدَاؤُهُ (قَبْلَ حُلُولِهِ)؛ أَيْ: أَجَلِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ، فَلَا يُلْزَمُ مَا لَا يَلْزَمُ الْمَضْمُونَ عَنْهُ؛ كَمَا أَنَّ الْمَضْمُونَ لَوْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ تَعْجِيلَ [الْمُؤَجَّلِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ تَأْجِيلُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ الْحَالَ ثَابِتٌ] مُسْتَحِقُّ الْقَضَاءَ فِي جَمِيعِ الزَّمَانِ، فَإِذَا ضَمِنَهُ مُؤَجَّلًا؛ فَقَدْ الْتَزَمَ بَعْضَ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ؛ فَصَحَّ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً، فَضَمِنَ خَمْسَةً، وَأَمَّا الْمُؤَجَّلُ؛ فَلَا يُسْتَحَقُّ قَضَاؤُهُ إلَّا عِنْدَ أَجَلِهِ؛ فَإِذَا ضَمِنَهُ حَالًا؛ الْتَزَمَ مَا لَمْ يَجِبْ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً، فَضَمِنَ عِشْرِينَ. (وَإِنْ عَجَّلَهُ)؛ أَيْ: الْمُؤَجَّلَ ضَامِنٌ (بِلَا إذْنِ مَدِينٍ؛ لَمْ يَرْجِعْ) ضَامِنٌ عَلَى مَضْمُونٍ عَنْهُ (حَتَّى يَحِلَّ) الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ لَا يُغَيِّرُهُ عَنْ تَأْجِيلِهِ؛ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَذِنَ مَضْمُونٌ عَنْهُ بِتَعْجِيلِهِ؛ (رَجَعَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ. (وَلَا يَحِلُّ) دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ (بِمَوْتِ مَضْمُونٍ) عَنْهُ، (وَ) لَا بِمَوْتِ (ضَامِنٍ إنْ وَثَّقَ الْوَرَثَةُ) [رَبَّ الدَّيْنِ] بِرَهْنٍ بِحِرْزٍ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ، (وَإِلَّا) تَوَثَّقَ الْوَرَثَةُ؛ (حَلَّ) الدَّيْنُ، فَيُطَالَبُونَ بِهِ فِي الْحَالِ. (وَمَنْ ضَمِنَ أَوْ كَفَلَ) شَخْصًا، (ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْمَضْمُونِ أَوْ الْمَكْفُولِ (حِينَئِذٍ)؛ أَيْ: حِينَ ضَمِنْته أَوْ كَفَلْته (حَقٌّ) لِلْمَضْمُونِ أَوْ الْمَكْفُولِ لَهُ؛ (صَدَّقَ خَصْمُهُ)؛ أَيْ: الْمَضْمُونُ أَوْ الْمَكْفُولُ (بِيَمِينِهِ)؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ دَعْوَاهُ، فَإِنْ نَكَلَ مَضْمُونٌ وَمَكْفُولٌ لَهُ؛ قُضِيَ عَلَيْهِ بِبَرَاءَةِ الضَّمِينِ وَالْأَصِيلِ.